11 - 05 - 2025

مؤشرات| المصير على رصيف رقم 6

مؤشرات| المصير على رصيف رقم 6

جاءت كارثة قطار محطة مصر لتؤكد حالة الفوضى التي تعيشها الكثير من المؤسسات، رغم جهود الإصلاح من هنا وهناك، بل تؤكد أن الفساد عنوان للعديد من المرافق الحيوية، وكل يوم تتكشف حقائق جديدة، توضح حجم المأساة التي يعاني منها مرفق السكك الحديدية كنموذج لباقي مؤسسات عديدة بالدولة.

حادث القطار يؤكد أن الأزمة لن تنتهي بإقالة أو استقالة الوزير فقط، بل أكثر تجذرا في شرايين الدولة، وان هناك منظومة يجب معالجتها بل استئصالها من جذورها، حتى نؤسس لمؤسسات سليمة وفاعلة، فإذا اكتفينا بأن الوزير ذهب ليتحمل المسؤولية فهو حل منقوص، وعلاج سطحي لجرح غائر في جسم المجتمع المصري.آ وسرعان ما سيتكون "صديد" الفساد مجددا ويصبح أكثر تقرّحًا مع غياب العلاج الحقيقي للفساد الأكبر والذي نخر في جسم الدولة، ووصل العظم، وتلك حقيقة لا يمكن تجاهلها، إذا ما كانت الدولة جادة في علاج مرافقها العامة والخدمية، فالعلاج السطحي لم يعد كافيا أو ناجعا لما وصلنا إليه في الوضع الراهن.

مأساة قطار رصيف 6 والذي راح ضحيته أكثر من 60 قتيلا ومصابا، كشف أيضا مأساة أكبر، وهي غياب الشفافية في المعالجة وتبيان الحقيقة التي يعرفها كل الناس، وظل الحديث مرهونا باجتهادات البعض، فيما غابت المعلومة، وهو ما دفع متربصين بالدولة لاستغلال أخطاء الحكومة في ركوب الموجة، وإعتلاء منصة مواقع التواصل الإجتماعي "السوشيال ميديا"، لتصبح الدفة في أيديهم وتلاحقهم الأجهزة بالنفي فقط، دون وجود مبادرة فعلية على أرض الواقع تجيب على أسئلة الشارع حول .. ماذا حدث، وما سيحدث، وما هي الإجراءات التي تم اتخاذها، ومن تم التحقيق معه، ومن أُقيل من منصبه، أو تم إيقافه عن العمل حتى إشعار آخر؟ وغير ذلك من الأسئلة التي يرددها رجل الشارع العادي وأهالي من سالت دمائهم على رصيف رقم 6.

المؤكد أن هناك إجراءات تمت وتتم، إلا أن أصحاب القرار اعتبروها أسرارا قومية لا يمكن الكشف عنها، دون توضيح يبرر هذا الصمت المريب في معالجة قضية يدرك الجميع حجمها، وأنها أكبر مما هو مُعلن، خصوصا أن الكارثة كان يمكن أن تكون أكبر مما شهده الجميع، وكان يمكن – لا قدر الله – أن تدمر مبنى محطة قطارات مصر بالكامل.

ويصبح السؤال الجوهري هنا، هل هناك تعمد في الحادث، أم أنه إهمال من سائقي القطار وعمال التحويلة، أم هناك خلل في شيء أكبر، من كل هذا، وهو ما أُؤكد عليه أن الخلل في منظومة السكك الحديد أكبر حتى من وزير وأعلى.

والمتابع لخطوط السكك الحديد، - ولن نقارن هنا بين مصر ودول أوروبية، وهذا حقنا باعتبار أن مصر ثاني دولة في العالم تؤسس بها خطوط قطارات- بل سنقارن بدول أحدث في هذا السكك الحديدية، - فالمغرب على سبيل المثال، فمن يركب قطارا بين مراكش والدار البيضاء "كازبلانكا" أو من الرياض إلى الدمام، أو حتى بين وهران والجزائر العاصمة في الجزائر، وغيرها من دول الشمال والشرق والغرب العربي، سيدرك مدى الفرق في الخدمة التي يتلقاها المواطن المصري المطحون، وغير من مواطني تلك الدول.

الفرق ليس فقط في نوعية الخدمة، بل في إنسانية الخدمة، والمعاملة الآدمية، بل في دول أوروبية صغيرة، وأقل من مصر كثيرا، خدمة القطارات العامة فيها شئ مختلف كليا، فهناك تشعر بأنك "بني آدم" وهنا تشعر أن الدولة تمُن عليك بخدمة، تكاد تقول لك "إنك لا تستحقها"، وفي النهاية يتم التضحية بك علىى غرار ما حدث على رصيف رقم ستة في محطة رمسيس.

والسؤال .. ألم يحن الوقت بعد.. للتعامل مع هذا الشعب بإنسانية وشفافية.. أم سنظل ننتظر على رصيف رقم 6 لمصير لا يعلمه إلا الله؟.
-------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ثقوب مميتة من حادث غاز الواحات والبنزين المغشوش